الرمزية في الأدب العربي الحديث
هناك فرقٌ بين الرمز: وهو موجودٌ في كلِّ أدبٍ رفيعٍ شعريّاً كانَ أم نثريّاً، والرّمزيّة : وهي مدرسةٌ أدبيّةٌ ذاتُ أسسٍ ومقاييسَ محدّدةٍ.
الرّمزيّة في النّثر العربيّ:
يعدّ جبران خليل جبران أوّلَ من التقت في نثره تيّارات الإبداعيّة والرمزيّة التقاءً فنّيّاً، ففي أدبه ثورة الإبداعيين، ومثاليّة الصوفيّين، وإيحاء الرّمزيّين، وفيه حسٌّ موسيقيٌّ رفيعٌ في استخدام اللّفظ الموحي والعبارة الشجيّة الحالمة التي تقدّم المعنى محفوفاً بهالةٍ ضبابيّةٍ، وتبدو الرمزيّة في كتاباته من خلال شخصيّة (حفّار القبور)، فالحفّار قناع دراميّ رمزيّ يتخفّى وراءه جبران؛ ليبسط أفكاره ومواقفه، وهو ثوريّ ذو قوّة خارقة، يرى ما لا يراه الإنسان العاديّ، وهو قادرٌ مثلاً على رؤية بنات الجنّ، ويستطيع التّمييز بين الأحياء والأموات في المجتمع، ويدعو مخاطبه إلى أن يتزوّجَ صبيّةً من بنات الجنّ، وبهذه الدّلالات المتلاحقة يعبّر جبران عن ثورته على التقاليد التي استبدّت بعقول الناس، فحوّلتهم إلى أموات.
الرّمزيّة في الشّعر العربيّ:
يعدّ الشاعر الّلبنانيّ سعيد عقل رائداً للمذهب الرّمزيّ العربيّ، فهو لم يقتصر على وسائل الأداء الرّمزيّ، بل جاهد ليصنع ما صنعه روّاد المذاهب والاتّجاهات الأدبيّة، وهو يعتقد أنّ غاية الشعر هي نقل حالة نفسيّة مستعصية على التحليل العقليّ، فالشعر عنده مناخٌ لا أفكارٌ، وهو مناخ موسيقيّ ضبابيّ يعتمد على وسيلتين: الإيحاءات الموسيقيّة، والصور الرمزيّة، وهو يتّكئ أحياناً على معطيات الحواس وتبادلها؛ فالهوى مثلاً أغنية ٌ أطيب من الشذا:
هَـوَاكَ يا شاعري أغنيَّة الخاطرِ
أطيب، أشهى، ألذُّ من شذا عابرِ
فقد حاول أن يوجد لغة في اللّغة، فأصابَ العربيّةَ على يديه عَنَتٌ شديدٌ.
وهناك شعراء عرفوا خصائص الرمزيّة فاغتنوا بها، واستخدموها للتعبير عن إحساسٍ دقيقٍ، أو لتحليل فكرةٍ عميقةٍ، أو لتطعيم الأدب بقيمٍ جماليّةٍ جديدةٍ كالإيحاء والرمز والأسطورة، ومنهم: بشر فارس ويوسف غصوب في لبنان، ونزار قبّاني وعمر أبو ريشة في سورية، وبدر شاكر السّيّاب في العراق.
ويستخدم الشعر الحديث الرمز الأسطوريّ بإحدى طريقتين: فإمّا أن يستخدمه استخداماً سريعاً في أثناء القصيدة، كقول السّيّاب:
وعند بابي يصرخ المخبرون
وعرٌ هو المرقى إلى الجُلجُلة
والصخرُ، يا سيزيفُ، ما أثقلَه
فالشاعر يشبّه نفسه بـ "سيزيف" الإغريقيّ الذي يجرجر صخرة تسقط، فيدأبُ على رفعها بشكل مستمرّ للدّلالة على استمرار عذابه وغربته، ومثل هذا التّوظيف السريع للرّمز لا يفلح دائماً في خلق المناخ الشعريّ بسبب جهل القارئ بها، أو عدم تعاطفه معها، أو لمرورها سريعاً في النّصّ.
وإمّا أن يستخدمه على أن يكون هو القصيدة مضموناً وشكلاً، مادّةً وهيكلاً، بما يتناسب وتجربته الشعريّة ووجهة نظرِهِ، وقصيدة (تمّوز جيكور) للسيّاب مثال على ذلك.