الاقتصاد السياسي في المرحلة الرأسمالية
برزت طريقة الرأسمالية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وذلك بعد تطور مرحلي. مرحلة الرأسمالية التجارية و مرحلة الرأسمالية الصناعية.
1 ـ الرأسمالية التجارية و الفكر الاقتصادي للتجاريين (1)
لإبراز كيفية بزوغ طريقة الإنتاج الرأسمالية في المرحلة التجارية نتطرق فيما يلي إلى شرح مفصل إلى هذه المرحلة .
1.1 الرأسمال التجاري و تطوره :
الرأسمال التجاري، في الحقيقة أقدم من طريقة الإنتاج الرأسمالية، بل هو أقدم وجود لرأس المال تاريخيا .
وجوده كان أساسه تبادل السلع و البضائع. إذا كان وجود الرأسمال التجاري رهبن بوجود التبادل مهما كان الأساس الاجتماعي للإنتاج ، فإنّ مدى دخول المنتجات في التجارة يتوقف على نوع الإنتاج . فالسلعة محل المبادلة هي شرط وجود الرأس مال التجاري الذي يقوم بتنشيط حركة السلع . و في يده ترتكز عمليات الشراء و البيع .
و لكي يقوم بهذه العمليات فهو يحتاج دائما إلى رأس مال على شكل نقود تتمثل حركته التجارية في التخلي عن النقود أولا في سبيل السلع ، ثم التخلي عن السلع في مقابل النقود ]نقود ¬سلعة ¬نقود [
لنظرية الاقتصادية والتحليل الاقتصادي
6 ـ النظرية الاقتصادية والتحليل الاقتصادي :
إن هدف النظرية كما يقول MALINUAUD ، بما معناههو إلقاءالضوء على الواقع العلمي وذلك بواسطة نماذج تفسيرية المفروض منها تمثيل العلاقات السلبية بين مختلف الظواهر في العالم الحقيقي . وهكذا تأخذ النظرية شكل مجموعة حوادث ووقائع منظمة تنظيما عقلانيا .
ولكن نظرا لتعدد الظواهر والتشابك المعقد للعلاقات فيما بينها تلجأ النظرية إلى التبسيط والتجريد أي عزل أهم الظواهر وإظهار العلاقات الأساسية بينها . فالنظرية إذن هي تبسيط واعي ( أو تجريد ) للروابط الملاحظة
( بين الظواهر ) قصد تفسير طبيعتها وتفاعلاتها المتبادلة ...
أي تفسير الآليات التي تربط فيما بين الظواهر المشاهدة ، لنتساءل الآن عما هو الأمر بالنسبة للنظرية الاقتصادية ، كأي نظرية عملية ، تحاول النظرية الاقتصادية فهم وتفسير الظواهر الاقتصادية وذلك بطريقة تبسيطية وتجريدية .
تنتج الظواهر الاقتصادية عن نشاط الأفراد ( أو الجماعات ) الذين يعيشون في مجتمعات معينة . ولا يمكن إذن تفهم هذه الظواهر إلا بتفهم نشاطات الأفراد والخلايا الأساسية ( كالعلاقات والمشاريع ) من جهة وكذلك العلاقات المختلفة التي يخلقها المحيط الاجتماعي والمؤسسي بين هذه الأنشطة المختلفة من جهة أخرى .
وعادة ما يشكل الوجه الأول موضوع النظرية الاقتصادية الجزئية والوجه الثاني موضوع النظرية الاقتصادية الكلية.
1 ـ النظرية الاقتصادية الجزئية :
تعني النظرية الاقتصادية الجزئية بدراسة سلوك الوحدات الاقتصادية على انفراد : المستهلك ، المشروع ، العامل ، المستثمر ، المدخر ... ، والعلاقات التي تحاك بينها في مختلف الأسواق التي يتم فيها تبادل السلع وعوامل الإنتاج . هدف هذه النظرية هو تفسير آلية تشكيل الأسعار : سعر كل سلعة أو خدمة ، ( بما فيها عوامل الإنتاج ) والأسعار النسبية لها وكذلك تخصيص عوامل الإنتاج النادرة وتوزيعها العقلاني بين مختلف استعمالاتها .
2 ـ النظرية الاقتصادية الكلية :
فإنها تعنى بفهم وتفسير آلية تحديد المجمعات ( Les Agrégats ) مثل الإنتاج ، أو الدخل أو طني أو كلي ، حجم الاستخدام ، مستوى الأسعار العام ... ، وكذلك تغيرات هذه المجمعات خلال الزمن ، أي ( وتيرة ) التنمية الاقتصادية. كما يقول E.JAMES ، لا تهتم النظرية الاقتصادية الكلية بالأعداد الضخمة من المشترين والبائعين فرادى ، وإنما بالطلب الكلي والعرض الكلي ، ولا تهتم بسلوك الحائزين الكثيرين على الأصول النقدية والمالية وإنما بالادخار والاستثمار الكليين ، ولا تدرس المستثمرين الأفراد وإنما التوضيفات الرأسمالية الكلية . ولكن عادة ما ترتكز على بعض الظواهر الأساسية والعلاقات الهامة القائمة بينهما : الاستخدام ، البطالة ، مسندي الأسعار العام ، التضخم ، تراكم رأس المال ، التمويل ، توزيع الدخول ، كتلة النقود المتداولة ، ميزان المدفوعات ...
هكذا ، فبين تعني النظرية الاقتصادية بالجزئيات أي سلوك الوحدات الاقتصادية منفردة : وكلمة Micro الإغريقية تعني " صغيرا " تولي النظرية الاقتصادية الكلية اهتمامها للكليات: وكلمة Macro الإغريقية تعني " كبيرا " .
كذلك ، عادة ما تلجأ النظرية الاقتصادية الجزئية إلى وضع فرضية سيادة المنافسة الحرة الكاملة في الاقتصادية
الشيء الذي يمكنها من بناء نماذج مجردة تتميز بدقة عالية بينما تنطلق النظرية الاقتصادية الكلية من النظام الاجتماعي السائد فعلا .
إنها تكتفي بنماذج النظرية السابقة وحيث تظهر الوحدات الاقتصادية ليس منفردة وإنما مجمعة والتجميع والمنتجين والمستهلكين قي عدد صغير جدا من المجموعات .
في الواقع لا يجوز أن نفضل إحدى النظريتين على الأخرى ولا أن نشترط دراسة إحداهما قبل الأخرى .
لكن كما يقول بعض علماء الاقتصاد " إن الفهم الجيد لعدد كبير من المسائل الاقتصادية ذات الطبيعة الكلية يتطلب البحث في أسسها الاقتصادية الجزئية " .
3 ـ منهجية التحليل الاقتصادي :
حتى يتمكن التحليل الاقتصادي من تفسير الأحداث والوقائع الاقتصادية يلجأ إلى عزل أسباب الظاهرة
( الموضوعة قيد الدراسة ) واختيار أهمها و " جمعها " في نموذج . وغالبا ما تستعمل الصياغة الرياضية في عملية النمذجة ( أي عملية بناء النموذج ) .
2.1 ـ النمذجة :
فالنموذج إذن مفهوم علمي الغاية منه تبسيط الواقع وذلك بالأخذ بعين الاعتبار الظاهرة الاقتصادية الأساسية والملائمة بتعبير المثال التالي لهدف فهم تطور إنتاج القمح من نوع معين في فترة زمنية معينة وفي مكان معين وفي مكان معين. هناك تدخل عدة عوامل في تحديد كمية القمح المنتجة : تقنية الإنتاج ، المساحة المخصصة لزراعة القمح ، الطقس والظروف المناخية ، السعر السائد وتغيراته المتوقعة بحيث يمكننا صياغة ذلك في شكل دالة :
= كمية القمح ، وهي تابع لعدد من العوامل :
( أ ..... ز3 x ز2 x ز1 ) F =
ولكن الاقتصادي عادة ما يلجأ إلى تفضيل عدد صغير من المتغيرات قد يفضل متغير واحد مثل السعر وذلك على الأقل في المرحلة الأولى من الدراسة لتصبح الدالة السابقة على الشكل :
= الكمية ، تابع للسعر : ( ) F =
ثم يضع الفرضية التالية عندما ينخفض ( أو يرتفع ) بسعر القمح تنخفض ( أو ترتفع ) الكمية المنتجة . وهذا يعني أن العوامل الأخرى تبقى ثابتة . وهذه الفرضية يلجأ إليها الاقتصادي بشكل طبيعي ، مثله في ذلك مثل أي باحث آخر في العلوم الطبيعية . تعني هذه الفرضية في نفس الوقت أنه إذا حدث وتغير أي عامل من " العوامل الأخرى "
غير السعر تصبح المقولة غير محققة أو غير مؤكدة التحقيق . ولكن الشيء الذي يهم في هذه العلاقة هو عموميتها التي تسمح بتقدير ما سيحدث في المستقبل . ومادام النموذج لا يتعارض مع ما يراد البرهان عليه فلا حرج في إهمال بعض المتغيرات .
وعندما يصبح النموذج غير قادر على تفسير الظاهرة المعينة يجب التخلي عنه وبناء نموذج جديد . ولهذا ترتكز كل نموذج علمي ملاحظات معينة حول ظاهرة معينة .
يربط النموذج الاقتصادي ما بين بعض الظواهر الاقتصادية على أساس علاقات نسبية . يجب أن نلاحظ هنا أن التبسيط ( Simplification ) ليس غاية في حد ذاته بل كل ما في الأمر هو أن الأخذ بعين الاعتبار لعدد أكبر فأكبر من المتغيرات غير مرغوب فيه ، وأنه ليس سلوك اقتصادي وعقلاني إذا كان ذلك لا يزيد من فهمنا للظاهرة إلا بشكل هامشي ، وخاصة لأن تكلفه ذلك عادة ما تكون مرتفعة بالنسبة للمعلومات الإضافية .
2-2 مميزات التحليل الاقتصادي الكلي :
تكلمنا سابقا عن موضوع النظرية الاقتصادية وكذلك عن مناهج التحليل الاقتصادي بشكل عام . يجدر بنا الآن أن نعزل بعض المميزات الهامة للتحليل الاقتصادي الكلي والمتعلقة بالظواهر التي يتولى دراستها والمميزات التي يرتكز عليها ، خاصة المراحل الأساسية لعملية بناء النماذج ( ص ) ....
قلنا سابقا أن الظواهر التي تشكل موضوع النظرية الاقتصادية الكلية هي تلك التي تخص الجماعة كلها .
يمكن أن نذكر من بين هذه الظواهر : البطالة ، التضخم تقلبات النشاط الاقتصادي ، المبادلات الاقتصادية مع البلدان الأجنبية التنمية الاقتصادية ، توزيع الدخول ... الخ .
و عليه يكون هدف المبادلة هنا ليس قيمة الاستعمال ( لأنّ التاجر لا يشتري السلعة من أجل استعمالها في سد حاجته الشخصية باستهلاكها ذاتيا ) ، و إنما قيمة المبادلة في شكلها النقدي . التجارة هي التي تحول المنتجات إلى سلع تعرض في السوق و من ثم إلى نقود و هنا يظهر رأس المال أولا في عملية التداول ، إذ فيها تتحول النقود إلى رأس المال . و يمكننا تلخيص مراحل تطور رأس المال فيما يلي :
* النقود تتحول إلى رأس مال تجاري .
* رأس المال التجاري بفضل الربح المحقق في عمليات التداول .
هنا يظهر الرأس مال التاجر ( الذي نشأ مباشرة من التداول ) كمجرد شكل من أشكال رأس المال في دوره تجدده ، و مؤدبا في ذلك وضيفه رأس بعد أن كان يؤدي في الماضي ـ في إطار طرق الإنتاج ما قبل الرأسمالية ـ
كل وضيفه رأس المال يصبح الإنتاج إنتاج مبادلة ، مبادلة نقدية معممة . الرأس مال التجاري سيطر على عملية الإنتاج التي تأخذ طابعا صناعيا ، في توسع مستمر يكون هذا التحول مظهرا للتطور الاقتصادي العام للمجتمع.
فهو يظهر في المجتمعات السابقة على الرأسمالية باعتبارها رأس المال و يقوم بوظيفته ثم يتطور لمستوى معين كأساس تاريخي للتحول إلى طريقة الإنتاج الرأسمالية : كأساس لتركيز الثروة النقدية ، و لأنّ طريقة الإنتاج الرأسمالية تفترض إنتاج المبادلة . أي البيع على نطاق واسع و ليس لمستهلك فرد ، و هنا تتبدى كذلك أهمية دور التاجر الذي لا يشتري لإشباع حاجاته هو بل لتلبية طلب العديد من المشترين .
أمّا فيما يتعلق بالكيفية التي سلط بها رأس المال التجاري اهتمامه على الإنتاج تاريخيا فنجد ثلاث طرق.
* الطريق الأولى : فتتمثل في تحول التاجر إلى رأسمالي صناعي فبعدما كان التجار يستوردون السلع خاصة الكمالية منها ، فضلوا إنتاجها محليا حدث مثل ذلك في إيطاليا في القرن الخامس عشر عندما قام التجار ببناء مصانع تنتج سلعا كانت نشترها من قبل قسطنطينية .
* الطريقة الثانية : أصبح هنا المنتج نفسه تاجرا و رأسماليا ، فيقوم بتركم رأس المال النقدي و بممارسة النشاط التجاري .
بدأ ينظم نفسه على رأس رأسمالي ، مميزا بذلك إنتاجه كيفيا عن الإنتاج الزراعي و على الإنتاج الحرفي . طريق التنظيم هذه تعتبر ثورية لأنها تقوم على أحداث تغيرات جوهرية ( جذرية ) في الطريقة التي تتم بها عملية الإنتاج .و ذلك سواء من حيث نوع قوى الإنتاج ( أي القوى العاملة + وسائل الإنتاج ) أو من حيث تنظيم الوحدة الإنتاجية .
* أمّا الطريقة الثالثة فقد تبلورت عندما بدأ عدد من أفراد طبقة التجار الموجودة من قبل في تحقيق سيطرتهم المباشرة على الإنتاج . فمثلا في ذلك ما كان يتم في صناعة الملابس بإنجلترا ( ANGLETERRE) حتى القرن السابع عشر . كان تجار الملابس يعوّنون الناسجين ـ أي المنتجين للملابس النسيج .(textiles) فرض التجار سيطرتهم هكذا على المنتجين كما فرضوا عليهم إتباع طرق الإنتاج القديمة . إذا ليس هناك تغير في قوى الإنتاج.
من هنا يتبين أنّ تطور رأس المال التجاري لمستوى معين و إن كان يمثل الأساس التاريخي لتطور طريقة الإنتاج الرأسمالية إلاّ أنه لا يستطيع بذاته لا على دفع التحول نحو طريقة الإنتاج هذه و لا على تفسير هذا التحول تطور طريقة الإنتاج إنما يتم في داخل عملية الإنتاج بذاتها ، عن طريق التغيرات التي تصيب قوى الإنتاج نفسها و على الأخص العمل . و هي تغيرات لم تحدث بفعل التجار إلاّ بالقدر المحدود .
2.1 الكيفية التي تم بها التحول في المجالات المختلفة للنشاط الاقتصادي :
تتميز مرحلة الرأسمالية التجارية كمرحلة تالية لتفكك الإقطاع . و زادت سرعة التوسع التجاري و خاصة في مجال التجارة الخارجية ، في وقت كانت فيه الزراعة و الصناعة تحت سيطرة التجار . هذا التوسع التجاري عمل يدوره على تطور اقتصاد نقدي في أوروبا . أخيرا تتميز هذه المرحلة بقيام الدول المركزية التي تهتم بتوسع السوق الداخلية عن طريق خلق المهيآت السياسية القومية ، و السوق الخارجية عن طريق اكتساب المستعمرات و تحقيق السيطرة على أعالي البحار.
كما شهد القرن السادس عشر قيام تجار المدينة بالاستثمار في شراء الملكيات الإقطاعية الكبيرة على نطاق واسع ، و ذلك في بريطانيا . كما شهد هذا القرن نموا كبيرا في الزراعة التي يقوم بها أغنياء الفلاحين المستقلين .
كما وجد هؤلاء الفلاحين الأغنياء مصدر دخل آخر في الرباء الذي كانوا يحصلون عليه بإقراض صغار الفلاحين المجاورين .
و الظاهر أنّ معظم التحسينات في الإنتاج الزراعي قد أدخلت بواسطة هذه الطبقة من أغنياء الفلاحين.
و شيئا فشيئا يتغير التنظيم الاجتماعي لزراعة في اتجاه سيطر رأس المال على الإنتاج الزراعي ، تغييرا يؤدي إلى تركيز الملكية العقارية في أيدي قليلة و إلى فصل صغار الفلاحين عن وسائل الإنتاج و تخويلهم إلى عمال أجراء.
كما أنّ هذا التغير يمكن من إحداث التغير في الفنون الإنتاجية الزراعية و يزيد من سرعة إدخالها :
إدخال نظام دورة الفلاحة ، نظام الصرف ، إدخال محصولات جديدة و أدوات عمل جديدة ، استخدام الأسمدة ،
الخ .... مما يستلزم التوجه إلى الصناعة للحصول منها على ما هو لازم بهذه التغيرات في الزراعة .
و في الصناعة يحقق رأس المال سطوته على الإنتاج عن طريق التحول التدريجي للنشاط الصناعي و تفكك نظام الطوائف و تدريجيا تصبح وسائل الإنتاج البلورة المادية لرأس المال.
إذ ينفصل عنها العامل و يمتلكها الرأسمالي ، رب العمل يتم ذلك عن طريق سلسلة من التحولات تتبلور أولا في نظام الصناعة المنزلية ( industrie domestique) الذي ظهر بصفة أساسية في صناعة المنتوجات.
الإنتاج يقوم به الأشخاص في منازلهم . التجار يزودونهم بالمادة الأولية و يشترون عليهم المنتوجات المنجزة .
إلى جانب هذا النظام الذي ساد النشاط الصناعي حتى أوائل القرن السابع عشر وجد نظام الصناعة اليدوية .
خاصة في المجالات التي تحول فيها أرباب الحرف إلى رأسماليين صناعيين .
هذا النظام الذي بدأ في الانتشار في القرن السادس عشر حتى القرن الثامن عشر ( يحل محله مع الثورة الصناعية نظام المصنع القائم على الإنتاج الآلي ) يقوم على تقسيم العمل في داخل المشروع .
ابتداء من هذا التقسيم الداخلي للعمل تكمن الخاصية الأساسية للصناعة اليدوية في العامل الجماعي الذي يتكون بتكوين عدد من العمال " الجزئيين ".
فزيادة التقسيم الداخلي للعمل و التخصص وإن أديا إلى رفع إنتاجية العمال ، أي قدرتهم على إنتاج فائض لصاحب رأس المال فإنهما يحملان معهما نسبة من العمل كوسيلة تحقيق الإنسان لذاته عن طريق زيادة قدراته الإنتاجية
فبعد أن كان العامل الحرفي يعرف كل عمليات صناعة السلع و يقوم بعمله مستقلا ، أصبح لا يعرف إلاّ عملية صنع حضيرة و غير مطالب بمعرف لعمليات المتبقية ، و جمع الإنتاج في محل واسع يسمى المعمل ، أو المصنع يظم عدد كبير من الحرفيين ، و عليه حل " العامل الجماعي " محل العامل الحرفي .
في إطار هذا التحول في تنظيم الإنتاج تدخلت بعض التقنيات في عمليات الصنع . أي استخدام فنون جديدة في الإنتاج ، و يمكن القول أنه بصفة عامة القرن السادس عشر و السابع عشر شهدا التحول من استعمال الطاقة الناتجة من الخشب إلى الطاقة الآتية من الماء ( في طحن الحبوب مثلا ) إلى الطاقة الآتية من الفحم .
و بهذا تكون الصناعة قد بدأت تشهد تنظيما جديدا و تقنيات إنتاجية جديدة. أمّا اليد العاملة فهي جد متوفرة و رخيصة الثمن نستطيع القول باختصار أنه يوجد بين الزراعة و الصناعة اعتماد متبادل يفسر ضرورة تغيرهما معا و يبلور في ذات الوقت التناقض بين رأس المال الزراعي و رأس المال الصناعي ، و هو يشكل التوجه الاجتماعي للتناقض بين الريف و المدينة في المجتمع الرأسمالي .
فالصناعة في توسعها تحتاج إلى اليد العاملة الآتية من الريف . كما تحتاج إلى مواد غذائية ( كالقمح مثلا ) لتغذية أهل المدينة . و تحتاج إلى مواد أولية كالصوف ، و القطن مثلا ، و هي قد تحصل على هذه المواد مباشرة عن طريق التبادل بين الريف و المدينة .
يقوم التوسع الصناعي على استخدام المواد الأولية الريفية من ناحية و من ناحية أخرى على صنع و بيع المنتجات المصنعة إلى الزراعة التي تستعملها أكثر فأكثر و يكون التغير في الزراعة و توسعها مشروط بما تقدمه الصناعة و الكيفية التي تقدمه بها .
فهذا الاعتماد المتبادل يتضمن التناقض بين الرأسمال الصناعي ( الذي يبحث على الحصول على المواد الأولية و المواد الغذائية بأثمان منخفضة ) و الرأسمال الزراعي الذي يهمه بتسويق السلع الزراعية حتى يحصل في مقابلها على اكبر قدر ممكن من السلع الصناعية .
من ناحية أخرى ، بفضل التجارة مع المستعمرات تضمن اقتصاديات البلدان المستعمرة الحصول على المواد الأولية و تسويق المنتجات النهائية و مصدر إضافي لتراكم رأس المال في صورته النقدية يكمن في المعادن النفيسة التي تأتي بصفة خاصة من العالم الجديد ( أمريكا اللاتينية خاصة ).
هذا التراكم ارتفع معدله و زادت سرعته بفضل السيطرة على المستعمرات و استغلالها في الغطار من الواقع الاقتصادي برز الاقتصاد السياسي في شكله البدائي.