لمــــــــــــــــــقـــــــــــــــــدمـــــــــ ــــــــــــة:
يكاد أن يكون العالم اليوم في أمس الحاجة من أي فترة أو حقبة تاريخية مر بها إلى ثقافة السلم والسلام سواء على مستوى الفكر والتصور أو على مستوى الواقع والسلوك والتطبيق .
حيث وكما في كل يوم , لا يسمع الواحد منا غير أخبار القتل الفردي والجماعي وحملات الإبادة والنفي والتشريد والحروب والصراعات وما يرافقها من عمليات هدم وتخريب والتي يروح ضحيتها الآلاف من الأطفال والنساء والشباب والشيوخ بأعداد لا تعرف بالضبط .
وزاد ذلك بؤساً أن رجعت إلى عصرالجاهلية الإنسانية أنواع من القتل كانت شائعة في أزمان غابرة لها ظروفها الخاصة والتي لا يمكن أن تمر على الواحد منا هذه الأيام بيسر وأدنى مقبولية ان لم يكن صدمة عنيفة تذهل العقل وتؤنب الضمير ألا وهي ذبح الإنسان وقطع رأسه ببرودة غريبة للأعصاب , والأفظع منه أن يكون تحت عنوان رسالة الإسلام الذي لم يأت نبيها كما سائر الأنبياء إلا لخير لهذا العالم .
تـــــــــــــــــعــــــرف الــــــــــــسلــــم و الـــــــــــــسلام:
إن (السلم والسلام) بمعناهما الأعم والشمولي يقتضيان الأمن والعافية، والاستقرار والازدهار، وكل ما يوجب تقدم الحياة وتطورها، ووضعها في أبعادها الصحيحة، صحية واجتماعية، واقتصادية وسياسية، وعسكرية وإعلامية، وغيرها.
وهي كلمة تدخل في نفس الإنسان الاطمئنان والراحة والهدوء، وتوحي إليه بذلك. ومن الواضح أن الكل يبحث عن السلم والسلام في حياته، ويطلبه بفطرته، بل هذا ما نشاهده عند الحيوانات أيضاً، فكلها تطلب السلام.
ونحن لا نعلم عن الأشجار والجمادات كثيراً، لكن إذا كان هناك شعور فيها، كما تدل عليه الآيات والروايات وكما ذكر جماعة من الفلاسفة القدماء والعلماء المتأخرين أيضاً، فإنها تطلب السلام ـ إن صح التعبير ـ.
لكن الواضح أن سلام الإنسان غير سلام الحيوان، وسلام الحيوان غير سلام الشجر والنبات، وسلام الشجر والنبات غير سلام الجماد من الأنهار والجبال والنجوم وغيرها، وكلامنا عن الإنسان.
إن للسلم والسلام في الإسلام مفهوما شموليا، يشمل العديد من الأبواب الفقهية المتعارفة من الطهارة إلى الديات، بل الأبواب الفقهية المعاصرة، كفقه السياسة
وفقه الاجتماع وفقه الاقتصاد وفقه الحرب وفقه الإعلام وفقه العولمة وفقه القانون وغيرها.
الــــــــــــــحـــــرب والــــــــــــسلـــــــــــــــــــم:
من أخطر أمراض الجنس البشري الحرب بين الدول والطغيان الداخلي على الأفراد داخل الدولة الواحدة. والحرب قديمة قدم الإنسان والحضارة وقد تشكلت مع بداية تشكل المجتمع الإنساني بأخطاء كروموسومية غير قابلة للحياة والاستمرار. فمع الحضارة ولدت الدولة ونشأت المؤسسة العسكرية.ومع ولادة التخصصات في المجتمع وتطور التقانة نمت العلوم العسكرية والتكنولوجيا الحربية، وبتزاوج المؤسسة والعلوم والتكنولوجيا ولدت الحرب من رحم العنف.ولكن العنف لا يحرر الإنسان ولا يحل المشاكل بل يزيدها تعقيدا وقد وصل العنف اليوم إلى طريق مسدود وتخلى عنه العالم وهو أسلوب فاشل في حل المشكلات.وفي الواقع العنف لا يفضي إلى السلام ولا إلى السعادة و ظاهرة العنف المرعبة مرض ثقافي وطاعون فكري.إلا أن الإنسان كلما ازداد وعيا وعلما مال إلى حل المشاكل بالطرق السلمية والعكس بالعكس.والحرب لا تنفجر من فراغ بل من أفكار وتصورات ومخاوف وهي تبدأ في النفوس والرؤوس قبل استخدام الفؤوس. وهي تهدف إلى تحطيم إرادة الخصم وإلغاء الآخر وبالتالي ينشأ عن ها وسط مشؤوم يولد فيه مرض الاستكبار والاستضعاف بين الطرفين ويفتح الباب لدورة العنف والعنف المضاد من جديد. إن الحرب كارثة كبرى ذات ثمانية عشر وجها حسب تعريف المعهد الفرنسي لعلم الحرب فهي:« هيمنة وتأكيد مبدأ المانوية وعدم الاعتراف بالغير بل وإنكار وجوده واندلاع العنف وغياب الحق والمخاطرة بحياة الإنسان وتدمير الثروات المتنوعة وتكريس جميع النشاطات للمجابهات الدموية وأفضلية اللامعقول على المعقول والمطلق على النسبي في إطار عقلي شمولي ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة والفوضى واشتداد الأزمات والدم والعرق والدموع واللقاء الحتمي مع الموت وانقطاع أحمق يبرهن على فشل العقل والقلب». وقد عرف العلماء منذ انفجار السلاح النووي التجريبي أن الحرب انتهت ووضعت أوزارها بين الكبار ولكن السياسيين الكذابين والمنافقين لم يدركوا منحى التاريخ ولم يستوعبوا هذا التطور الذي يؤيد مذهب ابن آدم الذي قتل ولم يدافع عن نفسه. عندما اختلف ولدا آدم قال الأول لا يوجد حل للمشكلة إلا بالقتل فطوعت له نفسه قتل أخيه. أما الثاني فقال لن أحل المشكلة معك بالقتل ولو نويت على ذلك ومددت يدك إلي (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك أني أخاف الله رب العالمين). بعد هذا نشأ مذهبان في التاريخ لحل المشاكل مذهب يؤمن بالعنف والحرب والقتل ومذهب يؤمن بالحوار والسلام. وحتى لا نضيع الوقت في الضبابيات والعموميات أميل شخصيا إلى تعريف الفيلسوف الألماني هيغل للفلسفة على أساس أنها القبض على الواقع من خلال الفكر وان تتحدث عن أشياء لها علاقة بالواقع المعاش. وأن نفهم الفلسفة على أساس أنها تشخيص عميق لمشاكل الواقع في لحظة معينة من لحظات التاريخ ثم إيجاد الحلول لها بعد أن ننجح في عملية تشخيصه وتحديده بدقة.وتلك ميزة كبار المفكرين الذين لا يضيعون أوقاتهم في المشاكل الثانوية بل يذهبون فورا إلى صلب الموضوع.وانطلاقا من تطبيق هذا التعريف على واقع مجتمعاتنا ماذا نستطيع أن نقول؟ أين هي المشكلة الأساسية ياترى؟؟ إنها تكمن في المعركة المفتوحة على مصراعيها بين مذهب العنف والرؤية الظلامية للعالم من جهة، ومذهب السلم والرؤية الحديثة لنفس العالم من جهة أخرى ويرى بعض المفكرين بأن مشكلة العالم الإسلامي مع الحداثة هي مشكلة القرن الواحد والعشرين و بناء على حلها يتوقف مصير العالم وتوازنه.واليوم نرى العالم وقد تحول إلى فريقين متميزين الأول طور كل الأسلحة وذهب إلى نهاية الشوط ثم وصل إلى الحقيقة التي تقررانه لا سبيل إلى حل المشاكل عن طريق العنف و القوة المسلحة ورفض النزاعات عن طريق الحروب.والفريق الثاني لم يدرك طبيعة التحول ولا يزال يسبح في ثقافة العنف ويدفع فواتيره اليومية ويعيش بعقلية عصر الغابة والهراوة والفأس والسيف والترس وامتداداتها من سبطانة المدفع إلى سلاح القنبلة النووية.وإذا ما ألقينا نظرة إلى بانوراما القوة عبر التاريخ نرى بعد أن جرب الإنسان الحروب والقوة وصل إلى طريق مسدود وان الحرب لا عقلانية وعبث وعدم جدوى امتلاك الأسلحة بما فيها صنم السلاح النووي وهناك اليوم تياران في العالم الأول يرمي بالسلاح ويتخلص منه بعد أن أكتشف انه صنم لا يضر ولا ينفع وان أعظم سلاح هو الإنسان الجديد الذي يؤمن بالعلم والسلم وتيار يشتري السلاح ويكدسه ويعيش خارج إحداثيات التاريخ والجغرافيا ويرى أن الحرب كانت شيئا أساسيا من وجود البشر، وسوف تستمر، والسلام مستحيل. والحرب طبعت في طبيعة البشر. وهي أم التاريخ وأبوها كما قال الفيلسوف اليوناني(هرقليطس). وأن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل جديدة حسب نظرية (كلاوسيفتز) الضابط الألماني صاحب كتاب فن الحرب.إن الحرب لا تقود إلى السلم، فهل تنبت شجرة الحنظل تينا ؟؟ هيهات هيهات لما توعدون!!
الــــــشـــــــــــــــعر حــــــــــــــول الـــــــــــــــــــــسلــــــــــــــــــم:
- هما سبيلان من يبغ السلامة لا ... يأسف على الحق أو يحلم برؤياه
- ومن بغى الحق في الدنيا فلا أسف ... على السلامة إن خانته دنياه
- قد يهجر الأمن من ذلواومن وهنوا ... وما تفرق قط الهول والجاه
- فاختر لنفسك : إما المجد في خطر ... أو الهوان وقد تشقى ببلواه
- وما اختيارك إلا ما خلقت له ... إن الطبائع ما ترضاه نرض
الـــــــــــــــــــــــخـــــــــــــــــــــــا تـــــــــــــمـــــــــــــــة:
تواجد الإنسان ـ ومنذ بدأ الخليقة ـ وهاجسه الأول تحقيق أعلى درجة من الاطمئنان والأمان والراحة، لـه ولعائلته، فكانت نتائج رغبته أن بدأ بمعرفة نفسه ومعرفة الآخر ومعرفة المخلوقات والطبيعة.
فهو يدرك المخاطر، ويعلم بضرورة اتخاذ خطوات تبعده عن الأذى، ومن هنا اختار لنفسه نظاماً وقائياً يحمي نفسه من نفسه، ويحمي نفسه من الآخرين، فكان أفضل الطرق التي جربها طول التاريخ مضاف إلى تصريح المبادئ السماوية بذلك، هو الاهتداء إلى مبدأ (اللاعنف) أو (المسالمة) كسلوك يدعو إلى الركون إلى العقل، واللجوء إلى التسامح، فهو السبيل العقلاني لحل إشكالات العصر المتزاحمة بفعل فوضى الطموحات المتسارعة ونشر الأفكار القسرية على الناس والمجتمع.