لا يخفي البعض اعتقاده بأنّ الحقول الكهرومغناطيسية التي تبثّها التقنيات التكنولوجية اللاسلكية تشعره بالمرض. بدأت هذه الحساسيّة تجاه الأجهزة الإلكترونيّة تثير اهتمام العلماء.
تنوي إحدى البلدّيات إعادة استعمال أجهزة {الواي فاي} في أربع مكتبات بلديّة. بالنسبة إلى سميرة وليلى، الأمر كارثي. فهما جاهدتا لوقف استعمال هذه العلبة الصغيرة على اعتبار أنها تتسبّب بالصداع وبتوّعك شديد. يبقى عدد الأشخاص الذين ما عادوا يتحمّلون آثار الحقول المغناطيسية غير معروف، لكنّ الأكيد هو أننا أمام ظاهرة متنامية. تعتبر السويد وبريطانيا مثلاً الحساسية تجاه الأجهزة الإلكترونية مرضاً فعلياً
يقول مناهضو استعمال هذه الأجهزة إنّهم يقابلون دوماً أشخاصاً يعانون من حساسيّة مفرطة تجاه الموجات الكهرومغناطيسيّة. بالتالي، لا يمكن القول إنّ الأمر لا أصل له من الصحّة. لذلك، قامت هذه المجموعة بإنشاء شبكة منذ عام. تستقبل هذه الشبكة، التي أُسميت «الحساسية المفرطة تجاه الموجات المغناطيسية»، شهادات لأشخاص يعانون من هذه الحالة، بالتعاون مع اختصاصيّين في الأمراض السرطانية يتحضّرون لإطلاق دراسة عياديّة عن الحساسيّة تجاه الموجات المغناطيسية.
مرحلة خطرة:
لا تزال الأبحاث المتعلّقة بالحقول الكهرومغناطيسية غير كافية، وغالباً ما تتعارض نتائجها. لا نعرف كثيراً بعد عن آثارها المتراكمة. لكن حين نحسب عدد المصادر التي ترسل هذه الموجات (واي فاي، الهواتف الخلويّة واللاسلكيّة، البلوتوث، محطّات النظام العالمي للاتصالات المتنقّلة (GSM)، الشبكات الكهربائية، الشعاع الطبيعي للأرض…)، يبدو أنّ العدد يتصاعد! ماذا لو بلغ جسم الإنسان مرحلة خطيرة؟ وفقاً لمؤسِّسة مركز الأبحاث والمعلومات المستقلة عن الأشعّة الكهرومغناطيسية، لقد أضفنا إلى بيئتنا تردّدات جديدة من دون دراسة مفاعيلها على الصحة. تتنوّع مستويات الحقول المغناطيسيّة، لكن كلّما زاد عدد الأجهزة، يزداد مستوى التعرّض لأخطارها. على حدّ قولها، نحن نخضع لحقل مغناطيسيّ عالمي لم يدرس أحد آثاره.
علماء قلقون:
بدأت الدراسات تتزايد حول التعرّض لنسبة ضئيلة من الموجات المغناطيسية، لكن لفترات طويلة (لا سيّما الهاتف الخلوي). تطرح النتائج أسئلة عدّة. نعلم أنّ الموجات الكهرومغناطيسية تخترق الجسم، وأثرها الحراريّ معروف. وينتج منها نوع من السخونة بسبب هيجان جزيئات الماء بالقرب من المصدر الذي يبثّ الموجات. إنه المبدأ عينه كما في الموجات الدقيقة (التردّد نفسه مثل الهاتف الخلوي، لكن مع قوة أكبر بألف مرّة).
لكن منذ مدّة قصيرة، قُدِّمت إثباتات عن وجود عدد من الآثار البيولوجيّة. أظهر تقرير دوليّ صادر عام 2007، أنّ للموجات آثار أيضاً على الخلايا. تؤدّي السخونة إلى زيادة قدرة اختراق الحاجز الدموي الدماغي (وهو غشاء يفصل بين الأوردة الدموية والخلايا العصبيّة) وتسبّب أضراراً في جزيئات الحمض النووي. من الواضح أنّ حماية الخلايا الدماغية ستضعف. كذلك، تُضعف الأشعّة أداء جهاز المناعة وتُربك عمليّة إنتاج الميلاتونين (أي هرمون النوم).
تزايد الخطر:
يربط الباحثون بين ارتفاع نسبة الإصابة ببعض الأمراض (سرطان الدم عند الأطفال، أورام دماغيّة في الجهة التي تتلقّى موجات جهاز الهاتف، سرطان الثدي، مرض الألزهايمر) والتعرّض للموجات المغناطيسيّة.
لمعرفة مزيد عن الموضوع، ما زلنا بانتظار الاستنتاجات النهائية لدراسة شاملة تُجرى في 13 بلداً، تحت رعاية مركز أبحاث السرطان الدولي. يفيد بعض النتائج بوجود خطر أكبر بالإصابة بورم دماغي أو ورم عصبيّ حميد لدى الأشخاص الذين يكثرون من استعمال الهاتف الخلوي، منذ أكثر من عشر سنوات.
حتّى لو كانت المعلومات غير كاملة بعد، تُطرَح أسئلة كثيرة في هذا المجال! يبدو أنّ بعض الدراسات الطارئة مثير للجدل، ويفضّل عدد من العلماء التعمّق أكثر للتحقيق بالأمر.
في أوروبا:
من جهته، دقّ البرلمان الأوروبيّ جرس الإنذار. في قرار صادر في 4 سبتمبر (أيلول) الماضي، أبدى النواب الأوروبيّون تشاؤمهم الشديد ممّا ورد في التقرير الدولي، وطالبوا باعتماد قوانين صارمة للحدّ من التعرّض للموجات المغناطيسيّة.
ثمة حلول بديلة عن تخفيض قوة التعرّض لتلك الموجات، لكنها تتطلّب جهوداً ماليّة. يكفي أن نضع الكثير من الهوائيات الصغيرة التي تكون أقلّ قوّة وتبثّ موجات ضمن قُطر أصغر. لكنّ ذلك يكلّف مبالغ أكبر. في الريف، يكمن الحلّ في مدّ شبكات من الألياف البصريّة التي لا تُصدر إشعاعات. بانتظار تنفيذ ذلك، تشعر الجمعيّات بالقلق من استعمال شبكة «ويماكس» قريباً لأنه يُضاعف المخاطر. جهاز الواي فاي المتفوّق هذا مُصمَّم لزراعة المناطق المعزولة وهو يبثّ موجات ضمن قُطر يساوي 30 كيلومتراً.
على هذه الوتيرة، لن يتمكّن المصابون بحساسيّة تجاه الموجات الكهرومغناطيسيّة من الاحتماء منها. ولا يمكن الاستمرار في إهمال شكاواهم. ما سبب الأعراض التي يشعرون بها؟ هل هي نفسيّة؟ يعتبر أحد الأطبّاء المصابين بهذه الحساسيّة أنها قد تكون ظاهرة دفاع عن الجسم، متسائلاً عمّا قد يحصل لو استعمل الأشخاص المصابون بالتوعّك حواسهم كلّها وهم مستيقظون. لا يمكن إقصاء أيّ افتراضيّة. تكمن الطريقة الوحيدة، للحصول على أجوبة وافية، في إطلاق دراسات علميّة.
3 أسئلة وأجوبة من أهل الاختصاص:
ما رأيكم بالحساسيّة تجاه الموجات الكهرومغناطيسيّة؟
إنها ظاهرة ناشئة. نحن مقتنعون بوجود رابط مرضي واضح بين الحقول الكهرومغناطيسيّة والإصابة بسرطان الدماغ، في حال التعرّض لها لفترة طويلة. كذلك، تنشأ حالات الإصابة بتسمّم حادّ. بعد معاينة ما يقارب العشرين حالة من المرضى المُصابين بحساسيّة تجاه الموجات الكهرومغناطيسيّة، أصبح لدينا معطيات عياديّة ملموسة.
كيف يمكن التأكّد من أنّ الأعراض ليست نفسيّة جسديّة؟
ثمة حساسيّة مفرطة لا يمكن إنكارها تجاه الموجات المغناطيسيّة وينبغي البحث عن أسبابها. الأشخاص المعنيّون متعقّلون، لكنهم لا يجدون مساندة من الجسم الطبّي. لا نظنّ أنّ الأمر يعود إلى أسباب نفسيّة جسديّة. للتأكد من ذلك، ننوي القيام بدراسة على ثلاث مراحل. سننبّه السلطات العامّة من خلال تقديم دراسة عن حالة معيّنة. وسنرسل استمارات إلى مئات المرضى لِنرى إن كانت هذه الأعراض تصيبهم. ثم نقوم بدراسة عياديّة. سنجري اختبارات للتأكد من أنّ الأجهزة التي تبثّ موجات كهرومغناطيسيّة تستطيع تغيير نشاط المخ الكهربائي أو سنقوم باختبارات عبر التصوير الطبّي.
ما هي الأسباب المحتملة لهذا المرض؟
حتى اللحظة، لا نعرفها. لكنْ ثمة احتمال مفاده أنّ تفاعلاً يحدث بين الموجات المغناطيسيّة وبعض التراكيب الكيماويّة الموجودة في الجسم، كحشوة الأسنان مثلاً. قد نجد أيضاً حساسيّة نفسيّة معيّنة، لكن لا إثبات على ذلك. الأمر المؤكّد الوحيد هو وجود بروتينات الصدمة الخاصة بالتوتّر النفسي في دم المرضى.