هي أم المؤمنين خديجة بنت خويلد عليها السلام أول زوجة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سيدة نساء قريش وأعظم وأخلص نساء النبي عند الله ورسوله..
هذه المرأة التي وهبت نفسها ومالها وكلّ ما ملكت لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وآمنت بالرسول حين كذبه الناس، وكانت (سلام الله عليها) تمثل أعلى القيم الأخلاقية والإيمانية تجاه زوجها النبي (صلى الله عليه وآله) والدين، حيث قدمت كل ما تملك من أجل نصرة هذا الدين الحنيف.
في الأخبار الواردة أن الإسلام لم يقم إلا بمال خديجة وسيف علي بن أبي طالب (صلوات الله وسلامه عليهما)، كما صرّح به رسول الإنسانية (صلى الله عليه وآله)، وهذه شهادة عظيمة المنزلة والقدر لمولاتنا وسيدتنا خديجة (عليها السلام) من خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله). وإليك عزيزي القارئ نبذة مختصرة عن حياة هذه المرأة العظيمة.
ولادتها واسمها وكنيتها (عليها السلام):
ذكر المحدّث الجليل العلامة المجلسي (قدس سره): أنها (صلوات الله عليها) وُلدت قبل عام الفيل بخمس عشرة سنة، واسمها الشريف: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزّى بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، وأمها فاطمة بنت زائدة بن الأصم، وينتهي نسبها إلى لؤي بن فهر بن غالب.
وأما كنيتها: فإنها كانت تكنى بأم هند (البحار ج16، ص12).
وذكر الهيثمي: وكانت في الجاهلية تسمى الطاهرة (مجمع الزوائد ج9، ص218).
وذكر الزرقاني في شرحه: وكانت تدعى في الجاهلية بالطاهرة لشدّة عفافها. وكانت تسمى سيدة نساء قريش (شرح المواهب اللدنية ج1، ص199).
تزويجها (صلوات الله عليها)
روى الشيخ الصدوق (قدس سره) قال: وخطب أبو طالب (سلام الله عليه) لما تزوج النبي (صلى الله عليه وآله) خديجة بنت خويلد (عليها السلام) بعد أن خطبها إلى أبيها، ومن الناس من يقول: من عمها؟ فأخذ بعضادتي الباب ومن شاهده من قريش حضور، فقال: الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء وجعلنا الحكام على الناس في بلدنا الذي نحن فيه. ثم إن ابن أخي محمداً (صلى الله عليه وآله) بن عبد الله بن عبد المطلب لا يوزن برجل من قريش إلا رجح، ولا يقاس إلا عظم عنه، وإن كان في المال قلّ فإن المال رزق عائل وظلّ زائل وله خطر عظيم وشأن رفيع ولسان شافع جسيم.
فزوّجه ودخل بها من الغد، فأوّل ما حملت ولدت عبد الله بن محمد (صلى الله عليه وآله). (من لا يحضره الفقيه: ج3 ص251).
وذكر هذه الخطبة الشيخ المفيد (قدس سره) (رسالة في المهر: ج29/9) والطبرسي في مكارم الأخلاق (ص205).
وقال رجل من قريش يقال له عبد الله بن غنم:
هنيئاً مريئاً يا خديجة قد جرت***لك الطير فيما كان منك بأسعد
تزوّجت خير البرية كلها***ومن ذا الذي في الناس مثل محمد
وبشّر به البران عيسى بن مريم***وموسى بن عمران فيا قرب موعد
أقرّت به الكتاب قدماً بأنه***رسول من البطحاء هاد ومهتد
(فروع الكافي: ج5 ص374).
أبناؤها:
قال الشيخ الكليني (رحمه الله): وتزوج - النبي (صلى الله عليه وآله) - خديجة وهو ابن بضع وعشرين سنة فولد منها قبل مبعثه (صلى الله عليه وآله) القاسم ورقية وزينب وأم كلثوم، وولد له بعد المبعث: الطيب والطاهر وفاطمة (عليها السلام). (أصول الكافي: ج1 ص439).
وهناك من يذهب إلى أن رقية وزينب وأم كلثوم كنّ بنات هالة أخت السيدة خديجة، وكانت خالتهن قد تكفّلت بتربيتهنّ، والله العالم.
معاشرتها للرسول (صلى الله عليه وآله) :
لقد كانت هذه المرأة العظيمة في غاية الإخلاص والاحترام للرسول (صلى الله عليه وآله) لا سيما في أصعب الظروف التي مرت به (صلى الله عليه وآله)، فكانت مؤنسته عندما يرجع إلى بيته (صلى الله عليه وآله) فتزيل عنه الهموم والغموم والآلام وتستقبله بالحب وتسمعه أجمل الكلمات التي من شأنها أن تذهب عنه الآلام والجراح التي تحمّلها لأجل إثبات هذه الرسالة الخالدة العظيمة.
ومما يدل على ذلك ما جاء في البحار: (كانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله وصدّقت بما جاء من الله ووازرته على أمره، فخفّف الله بذلك عن رسوله (صلى الله عليه وآله) وكان لا يسمع شيئاً يكرهه من ردّ عليه وتكذيب له فيحزنه ذلك إلا فرّج الله ذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بها إذا رجع إليها تثبّته وتخفّف عنه وتهوّن عليه أمر الناس حتى ماتت رحمها الله) (البحار: ج16 ص10).
نصرتها للرسول (صلى الله عليه وآله):
لقد بذلت هذه المرأة العظيمة نفسها ومالها في سبيل نصرة هذا الدين الحنيف، وهذا مما يدل على عظمة هذه الشخصية حيث نذرت نفسها ومالها لصاحب هذا الدين (صلى الله عليه وآله)، فقد جاء في الخبر أنها وهبت جميع مالها له (صلى الله عليه وآله).
ذكر المجلسي (قدس سره) أن خديجة قالت لعمّها ورقة: خذ هذه الأموال وسر بها إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وقل له: إن هذه جميعها هدية له وهي ملكة يتصرف فيها كيف شاء، وقل له إن مالي وعبيدي وجميع ما أملك وما هو تحت يدي فقد وهبته لمحمد (صلى الله عليه وآله) إجلالاً وإعظاماً له.
فوقف ورقة بين زمزم والمقام ونادى بأعلى صوته: يا معاشر العرب إن خديجة تُشهدكم على أنها وهبت نفسها ومالها وعبيدها وخدمها وجميع ما ملكت يمينها والمواشي والصداق والهدايا لمحمد (صلى الله عليه وآله)، وجميع ما بذل لها مقبول منه وهو هدية منها إليه إجلالاً وإعظاماً ورغبة فيه، فكونوا عليه من الشاهدين. (البحار: ج16 ص71).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما نفعني مال قط ما نفعني مال خديجة (مستدرك سفينة البحار: ج2 ص30).
وروي أن الإسلام لم يقم إلا بمالها وسيف علي بن أبي طالب (عليه السلام) (ذكره الفقيه الكبير المامقاني وقال إنه متواتر، تنقيح المقال: ج2 ص77).
وروي عن العامة: قالت أم سلمة: فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: وأين مثل خديجة؟ صدقتني حين كذبني الناس، وأعانتني على ديني ودنياي بمالها. (إحقاق الحق: ج4 ص480).
وعن الشيخ الطوسي أعلى الله مقامه الشريف: قال أبو عبيدة: فقلت لعبيد الله يعني ابن أبي رافع: أ وَكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال: فأين يذهب بك عن مال خديجة (عليها السلام)؟ وقال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة (عليها السلام). وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفك من مالها الغارم والعاني، ويحمل الكل ويعطي في النائبة ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة. وكانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين يعني رحلة الشتاء والصيف كانت طائفة من العير لخديجة وكانت أكثر قريش مالاً، وكان (صلى الله عليه وآله) ينفق منه ما يشاء في حياتها ثم ورثها هو وولدها بعد مماتها (الأمالي: ص468).
جبرائيل يبلّغ السلام من الله لخديجة:
عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: حدث أبو سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن جبرائيل (عليه السلام) قال لي: ليلة أسري بي وحين رجعت، فقلت: يا جبرائيل هل لك من حاجة؟ قال: حاجتي أن تقرأ على خديجة من الله ومني السلام. وحدثنا عن ذلك أنها قالت: حين لقيها النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لها الذي قال جبرائيل. فقالت: إن الله هو السلام ومنه السلام واليه السلام وعلى جبرائيل السلام. (تفسير العياشي: ج2 ص279).
وروي أن جبرائيل أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فسأل عن خديجة فلم يجدها، فقال: إذا جاءت فأخبرها أن ربها يقرؤها السلام (البحار: ج66 ص
.
وعن الكنجي عن أبي زرعة قال: سمعت أبا هريرة يقول: أتى جبرائيل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك، معها إناء فيه أدام أو طعام أو شراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب (كفاية الطالب: ص357).
وذكره ابن حجر العسقلاني أيضاً (في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة: ج4 ص208)، وذكره ابن الجوزي (صفة الصوفة: ج2 ص3).
لا إشكال أن لهذا السلام منشأ، وإلا لا يصدر من الحكيم لأنه يلزم اللغو، فإذا كان بملاك ومنشأ ونحن لا نعلم بهذا الملاك، ولكن نكتشف من خلال هذا السلام أن لهذا الفرد خصوصية عند المولى. إذن من هذا السلام يُعلم أفضلية خديجة (عليها السلام).
خديجة صديقة أمتي:
عن ابن المغازلي، عن ابن عمر قال: نزل جبرئيل (عليه السلام) على النبي (صلى الله عليه وآله) فقصّ عليه ما أرسل به وجلس يحدّث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ مرّت خديجة، فقال جبرائيل: من هذه يا محمد (صلى الله عليه وآله)؟ قال: هذه صديقة أمتي. قال جبرائيل: إن معي إليها رسالة من الرب (عز وجل) تقرئها السلام وتبشرها ببيت في الجنة من قصب بعيد من اللهب لا لغب فيه ولا نصب. فقالت: الله السلام ومنه السلام وعليك السلام. قيل: يا رسول الله، ما ذلك البيت؟ قال: لؤلؤه جوفاً بين بيت مريم وبين آسية بنت مزاحم، وهما من أزواجي في الجنة (مناقب علي بن أبي طالب (عليه السلام): ص338) وذكر قريباً منه ابن كثير (في البداية والنهاية: ج2 ص62).
ولا تعارض بين الروايات المصرحة بأن الزهراء (عليها السلام) صديقة، وبين هذه الرواية المصرحة بأن خديجة صديقة، لأن الزهراء صديقة على الإطلاق وخديجة صديقة في هذه الأمة.
وقد ذكر الرجالي المعروف السيد الميرزا محمد الاسترابادي (قدس سره) باب ذكر نساء لهنّ رواية عن خديجة بنت خويلد زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) (منهج المقال: ص400 حجري).
وفاتها (عليها السلام):
في كتاب شجرة طوبى: ولما اشتد مرضها قالت: يا رسول الله اسمع وصاياي.. الوصية الثالثة فإني أقولها لابنتي فاطمة وهي تقول لك فإني مستحية منك يا رسول الله، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وخرج من الحجرة فدعت بفاطمة وقالت: يا حبيبتي وقرة عيني قولي لأبيك إن أمي تقول أنا خائفة من القبر أريد منك رداءك الذي تلبسه حين نزوي الوحي تكفّنني فيه، فخرجت فاطمة وقالت لأبيها ما قالت أمها خديجة، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم الرداء إلى فاطمة وجاءت به إلى أمها فسرّت به سروراً عظيماً. فلما توفيت خديجة أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في تجهيزها وغسّلها وحنطها، فلما أراد أن يكفّنها هبط الأمين جبرائيل وقال: يا رسول الله إن الله يقرئك السلام ويخصّك بالتحية والإكرام ويقول لك: يا محمد إن كفن خديجة من عندنا فإنها بذلت مالها في سبيلنا فجاء جبرائيل بكفن وقال: يا رسول الله هذا كفن خديجة وهو من أكفان الجنة أهدى الله إليها. فكفنها رسول الله بردائه الشريف أولاً وبما جاء به جبرائيل ثانياً، فكان لها كفنان، كفن من الله وكفن من رسول الله (ص223).
لقد كان لخديجة حتى في مماتها (عليها السلام) تضحية عظيمة، لأنه قلّ من يضحّي بهذه التضحية. والدّال على هذا أنها (عليها السلام) بعد خروجهم من شعب أبي طالب (عليه السلام) بأيام قلائل وكان سبب مرضها وموتها هو الجوع الذي تحمّلته مع رسول الله (صلى الله عليه وآله). فالسلام عليها يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث حية.