عشية صائم
هذان نموذجان لعشية صائم . الأول :
في مساء الصوم ، يطرق الابتلاء القوم ، تتكاثر الرؤى والأحلام ، حول أطباق الطعام ، فتسري عن هذا الصائم بعض ما يجد ، وتزيده صبراً على صبر ،وتطفئ فيه لهيب الجمر ، وهو قابع ينتظر المؤذن أن يجيب ،والضياء أن يغيب ، يتغافل عن هذا الانتظار ،ويختلق المعاذر والأعذار ، فتارة يلتفت للأطباق الآنسة ، وأخرى يطبق الأحداق الناعسة ، ومرة يفتعل النقاش ، منقلباً على صفحة الفراش ، ويضحك كأنه غير جائع ، ويسهو كأنه غير سامع ،إلى أن يسمع المؤذن يصيح ،ويرفع صوته الفصيح ، فينقلب كالليث القسور ،أو الضرغام الغضنفر ،يثب على الكؤوس والأكواب ، ويلتهم صحون الطعام والشراب ،يهدئون من روعه وهو لا يسمع ،ويسكنونه وهو لا يخشع ، حتى إذا روى غلته ، وانتبه لما حوله ،اثاقل إلى الأرض ، وانبطح بالطول والعرض .
والنموذج الآخر :
عشية صائم كان الأجدر أن يسمى صائماً بالفعل ، فما إن ولى الشروق ، حتى ابتلت العروق ، وهو قائم يقرأ القرآن ، ويسبّح في ملكوت الرحمن ، يعيش في لذة روح النعيم ، لحظات كأنها روح النسيم ، ما بين مطرق مفكّر ، وناظر متوسم ، يعيد تفكيره فيما يبدأ ، ويتأمل المعنى حين يقرأ ، ويستعيد ماضيه فيستنكر، ويذكر ذنوبه فيستغفر، ويظل بين يدي ربه ، يجأر بالدعاء ، ضاجاً بالابتهال والرجاء ، ينهض من حين إلى حين للصلاة ، يستغرق فيما حوله ، متدبراً الآي الكريمة ، ساعياً في سبيله المستقيمة ، مصلياً على خير الأنام ، محمدٍ عليه أفضل الصلاة والسلام ، حتى يؤذن المؤذن ، فيفطر على تمر ، يطفئ به لهيب الجمر ، قائلاً : اللهم لك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ، فاغفر لنا ما تقدم من ذنبنا وما تأخر . تقبل الله من الجميع .