موضوع حول : المناهج الكمية و المناهج الكيفية
يعتبر البحث العلمي
من الأولويات التي توظفها الجامعات والمؤسسات التربوية والأكاديمية كأحد
الوسائل والأدوات للوصول إلى بيانات ومعلومات ومعارف ونظريات قادرة على
تفسير الظواهرالاجتماعية وفهمها. واتبع الباحثون في محاولتهم لجمع المعلومات لأغراض البحث والدراسة منهجين
- المنهج الكمي الإحصائي Quantitative Méthode - المنهج النوعيMéthode Qualitative
وقد اشتقت طرق البحث في مجال الدراسات الإنسانية والاجتماعية في بدايتها من طرق البحث في مواد العلوم الطبيعية كالأحياء والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا، وكان اهتمامها يتركز في البحث والتحقيق في الأشياء التي يمكن ملاحظتها وقياسها، لذا أطلق الباحثون على هذه الطريقة منهج البحث الكمي، ثم بعد ذلك بفترة طويلة، جاء الباحثون في علم الاجتماع، والنفس، وعلم الاجناس وكان هدفهم دراسة السلوك البشري، فوجدوا صعوبة كبيرة في تفسير وشرح ذلك بطريقة القياس البسيطة. فالقياس يخبرنا غالبا عن مجموعة من الناس تصرفوا بطريقة ما ولكن لا يعطينا إجابة كافية عن كيفية
تصرفهم بهذا الشكل، ولماذا يتصرف الناس بالطريقة التي يتصرفون بها؟، ليكون
هذا إيذانا بظهور منهج آخر أطلق عليه منهج البحث النوعي أو الكيفي، والذي كان منهجا يزيد من فهمنا لتقديم تفسير الأشياء والظواهر كما هي عليه الآن في عالمنا الاجتماعي.
بذلت المجتمعات جهودا لترقية الأبحاث في العلوم الطبيعية، و لكنها اتخذت موقفا أشد عدائية و ريبة من البحوث في العلوم الإجتماعية، وبينما يقبل العديدون التغيير في المجالات المادية و التكنولوجية، نجدهم يترددون في تغيير تنظيماتهم الإجتماعية و يدعون قدرتهم على حل كل المشكلات بالرجوع للأساليب القديمة…كما ان رجال الصناعة و الساسة يضاعفون إنفاقهم على البحوث في المجلات العلمية/التكنولوجية، و لا يهتمون بتوفير الأموال للأبحاث افجتماعية و التربوية.
و في
آواخر القرن 19، بدات بعض شرارات الإهتمام بحل المشكلات التربوية و
الإجتماعية تستثير بعض العقول ، و نبتت بعض بذور حركة البحث عندما أسس
وليام فونت أول معمل لعلم النفس سنة 1879، كما عمل فرنسيس جالتون و كارل بيرسون بإنجلترا على تطوير الطرق و المصطلحات
و المبادئ الإحصائية المستخدمة لاحقا في البحوث النفسية والتربوية و الإجتماعية.
ولم تكن العلوم الإجتماعية و الإنسانية التي ظهر معظمها في القرن 19 غائبة عن استخدام المنهج الكمي في كافة العلوم، وبالتالي في موضوعاتها أيضا، فقد ظهر فيها اتجاه منذ البداية نحو إحلال القياس والكم محل الصيغ اللفظية والتعميمات الكيفية، و قد لقي هذا الإتجاه دفعة هائلة عقب الحرب العالمية الثانية التي هيات فرصا لتطبيقه في العلوم الإجتماعية و الإنسانية …وقد وجد علماء النفس و علماء الإجتماع أنفسهم فجأة مدعوين للمساهمة في مجالات الحياة العملية، و قدمت لهم الإمكانات الهائلة لإجراء البحوث التطبيقية، كما وجدوا أنفسهم يعملون بجانب علماء الفيزياء و الكيمياء والبيولوجيا و غيرهم في العمليات العسكرية و الإنتاج الصناعي، و كان ذلك مفيدا للطرفين، فالعلماء الفيزيقيون اكتشفوا قدرا من الحساسية الإجتماعية و الشعور بالمسؤولية تجاه مجتمعاتهم عند إجراء البحوث العلمية، كما أدرك العلماء
الإجتماعيون و السلوكيون أهمية التجريب والتحليل الكمي لمتغيراتهم، وكان
الإحصاء العامل المشترك بين الفئتين : العلوم الإجتماعية والعلوم الفيزيقية .
ثضم مناهج البحث في العلوم الإنسانية و الإجتماعية منهجين أساسيين هما المنهج الكمي و المنهج الكيفي، يستخدم الأول في إنتاج بيانات رقمية / عددية / إحصائية، و بذلك يرتبط بالجانب الوصفي والكمي، و ببحث مدى قابلية الظواهر المدروسة للقياس.
أما المناهج الكيفية فتدخل في
سياق المناهج التحليلية المتسمة بالعمومية والشمولية، وتهتم اساسا بإنتاج
بيانات حول الخبرات والمعاني الشخصية للأفراد / الفاعلين الإجتماعيين،
معتمدة اساسا لغة الفاعل الإجتماعي أو ملاحظة سلوكه.
يختلف المنهج الكيفي عن الكمي في دراسة الظواهر السلوكية والإجتماعية في كون الأول يرفض اعتبار ان طرق و أغراض العلوم الإجتماعية هي ذات طرق و أغراض العلوم الفيزيقية – مبدئيا على الأقل - .
و من النقاط الأساسية محل الإختلاف بين المنهجين، ما يمكن تضمينه في الجدول التالي :